|


أنجيلو.. ابن مزارع.. نجا من الموت.. وحطم رقم بيليه

الرياض ـ إبراهيم الأنصاري 2024.09.21 | 03:48 pm

يعد البرازيلي أنجيلو جابرييل، لاعب فريق النصر الأول لكرة القدم، سليل سحرة السيليساو وأحد الورثة الشرعيين للمدرسة البرازيلية الممتعة، التي تناوب أبناء السامبا منذ نصف قرن على نثر سحرها الكروي جيلًا بعد آخر حتى باتت بصمتهم لا تنسى، وكان الفتى النحيل أحد حاملي لوائها في الجيل الجديد إلى جانب نيمار.
في مقاطعة سامامبايا التابعة لبرازيليا، العاصمة الفيدرالية للبرازيل، الشهيرة بالمزارع المنتجة للخضراوات والفواكه والزهور كان إليسمار بورخيس دي أوليفيرا، الذي يعمل مربيًا للماشية في أحد مزارع المدينة الكثيرة يعول أولاده الثلاثة، خوليو سيزار الصغير، إضافة إلى أنجيلو جابرييل الأخ الأوسط، وكارلوس إدواردو، الأكبر. وجميعهم يحملون أسماء مركبة، وتولت والدتهم إيديني دياس داماسينو دي أوليفيرا تربيتهم إلى جانب عملها في شركة في سامامبايا كمحاسبة.
قبل وقت طويل من ظهور أي علامة على موهبة الطفل أنجيلو، لاحظ الوالدان خاصية لفتت انتباه الجميع، كان الصبي أعسرَ يركل برجله اليسرى أي كرة تعترض طريقه، ويقال في البرازيل إن جميع اللاعبين الذين يستخدمون القدم اليسرى يجيدون الكرة.
خلال أعوام طفولته الأولى سئمت الوالدة من تعلق ابنها بكرة القدم وتكسيره الأواني والزخارف بالكرات في جميع أنحاء المنزل، ليقرر الوالدان إرساله إلى مدرسة لكرة القدم في فيجيرينسي حتى يتمكن من ممارسة هوايته ويكفيهما عناء كسر أواني المنزل.
جذبت الموهبة الاستثنائية والشهرة التي حققها الطفل الصغير في مدرسة فيجيرينسي كشافي الأندية الكبرى في المدينة، وكان سانتوس المبادر إلى تقديم عرض لا يمكن رفضه بالنسبة للعائلة الفقيرة.
لم يكن الأمر سهلًا بالنسبة للعائلة أن ينتقل طفلها الصغير، الذي لم يبلغ العاشرة من عمره، إلى مدينة مقاطعة سانتوس في ولاية ساو باولو، التي تبعد أكثر من 1000 كم عن مسكن العائلة، والمدينة الضخمة في البرازيل المليئة بجرائم اختطاف الأطفال التي أقلقت العائلة على طفلها.
تقول «إيدي»، الاسم المختصر للوالدة، عن عرض سانتوس للطفل الصغير: «قلت له أنت تعلم أن الأمر صعب. صعب جدًّا. كان عمره تسعة أعوام وأراد أن يذهب إلى سانتوس، هل أنت متأكد من أن هذا هو ما تريد؟ كنت خائفة جدًّا من الاختطاف، ومن كل شيء سيئ. لكننا كنّا نؤمن به دائمًا».
بدأت مسيرة أنجيلو المهنية في سانتوس هناك. على الرغم من أن فترة الاختبار لم تدم أكثر من يوم واحد فقط، وعادةً ما يقضي الأطفال ما يصل إلى أسبوع في التدريب، إلا أنه تمت الموافقة على الأسمر النحيل بسرعة، عرف أنجيلو أليكس سوزا الذي كان مدربًا لفريق سانتوس تحت 11 عامًا أنه وجد جوهرة مشعة جديدة لا يمكن التفريط فيها.
يقول سوزا عن الطفل الموهوب: «أدركت شيئًا، الكرة لم تكن تصل إليه على الجهة اليمنى. حتى من دون أن أطلب ذلك، ومن دون أن أقول أي شيء، اتخذ أنجيلو قرارًا بالبحث عن الكرة، ليظهر نفسه لقد كان رائعًا جدًّا. لقد رأيت أنه لم يكن مختبئًا. لقد استحوذ على المباراة بأكملها».
وحول عما إذا كان أليكس يعتقد أنه من الممكن أن شخصًا آخر غيره لن يوافق على ضم أنجيلو. إذا كان من الممكن أن موهبة أنجيلو في سانتوس لم تكن موجودة، ربما بسبب اختيار خاطئ، أو ملاحظة سيئة من المدرب، وكانت إجابته تختصر الكثير عن جوهرة سانتوس القادمة: «سيكون من المستحيل على أي شخص ألا يرى أنجيلو».
لم يكن على طفل صغير لم يبلغ العاشرة من العمر أن يتأقلم بعيدًا عن عائلته، التي تبعد عنه أكثر من 1000 كم، لكن أنجيلو أظهر إرادة حديدية نادرًا ما يظهرها صبي بعمره تقول والدته: «في العام الأول، عاش أنجيلو مع صديقه فابيو ابن مدينته الذي غادر برفقته لإجراء الاختبارات في سانتوس ونجح أيضًا، لم نستطع في البداية التخلي عن كل شيء ومرافقة طفلنا من أجل حلمه».
وتضيف الوالدة: «اشتريت هاتفًا خلويًا وأتحدث إليه صباحًا وظهرًا ومساءً. لقد أجرينا مكالمات وحزمنا حقائبنا كل أسبوع نأتي إلى سانتوس، لنراه، ما تسبب بوقوعنا في الكثير من الديون بسبب ثمن رحلات الذهاب والإياب إلى سانتوس أحيانًا بالطائرة، وأحيانًا بالسيارة».
في ليالي الجمعة، تنطلق العائلة على الطريق السريع بالسيارة متجهة إلى سانتوس التي تبعد 1089 وتستغرق الرحلة أكثر من 14 ساعة، لمشاهدة أنجيلو وهو يلعب في عطلات نهاية الأسبوع، كل ذلك من أجل ابتسامة الصبي.
تتابع والدته: «مجرد الابتسامة التي رأيتها على وجه ابني جعلت الأمر يستحق أي شيء، كان ينتظرنا أمام المبنى، عندما وصلنا، كان بالفعل عند الباب ينتظر، لكن الأمر كله كان صعبًا للغاية بالنسبة لنا الكثير من التعب والإرهاق ومشقة السفر».
ومع ذلك، ربما لن تكون قصة أنجيلو في سانتوس هي نفسها دون مساعدة شخصية لم يتم ذكرها بعد، بعد العام الأول الذي قضاه الصبي بعيدًا عن والديه، غادرت جدته لأمه، إيرايلدا دياس، سامامبايا لتعيش في سانتوس وتكون قريبة من حفيدها، تقول والدة أنجيلو: «لولا والدتي التي ساعدتنا وقررت الانتقال إلى سانتوس ربما لم نكن قادرين على التعامل مع الأمر».
لم يذهب أنجيلو تعب عائلته ومعاناتها، وكان على قدر المسؤولية لتعويض والديه عن المشقة التي تسبَّب بها لهما، حيث تمكن من الصعود الصاروخي في النادي العملاق وبات يحطم الأرقام تلو الأخرى، لكنه مرَّ بحادثة في عام 2019 عندما كان بعمر الـ 15 جعلته يخشى من الموت بعد إصابته بالتهاب السحايا تركت الأعراض القوية في الأيام الأولى المراهق الصغير خائفًا من الموت حتى أنه لم يستطع حتى تحمل الضوء في الغرفة.
يقول أنجيلو عن معاناته مع المرض: «اعتقدت أنني سأموت، لقد كنت أعاني من الكثير من الصداع والحمى، لكن حصلت على الدعم من عائلتي ووالدي وأجدادي، وقد ساعدوني على التعافي».
لم تمضِ أشهر قليلة على تعافيه من المرض حتى ظهر أنجيلو للمرة الأولى لاعبًا محترفًا في الفريق الأول لسانتوس في سن 15 عامًا، خلال مواجهة فلومينينسي، ليحطم الرقم القياسي الذي كان بحوزة الملك بيليه، أسطورة الكرة البرازيلية الراحل، كأصغر لاعب يشارك في مباراة رسمية.
في إحدى المباريات لم يتمالك أنجيلو نفسه وانهالت دموعه بعد لقائه مع قدوته في الملاعب نيمار جونيور، لاعب فريق الهلال الحالي، ويقول عن نيمار: «أي شخص يعرفني يعرف كم حلمت بهذا اللقاء والأهمية التي يتمتع بها هذا نيمار في حياتي. لقد نشأت وأنا أشاهد التحركات المذهلة وطريقة اللعب الجريئة التي جعلتني أحب كرة القدم أكثر فأكثر، وجعلتك أهم شخص بالنسبة لي، القدوة والمرجع الأول في الملاعب، أن أتمكن من مقابلتك شخصيًّا اليوم، وأنا أرتدي القميص الذي كنت ترتديه، هو بلا شك أفضل يوم في حياتي».
شقَّ الفتى النحيل طريقه لاحقًا مع سانتوس وانتقل عقبها إلى تشيلسي الإنجليزي، ثم أعاره إلى ستراسبورج الفرنسي، وارتدى قميص المنتخب البرازيلي في العديد من الفئات حتى المنتخب الأول، وأخيرًا حطَّ رحاله في الرياض، العاصمة السعودية.
في عام 2018، بدأت علاقة أنجيلو مع بيانكا أنشييت، عارضة الأزياء الشهيرة والمعروفة على منصات «إنستجرم»، ولديها أكثر من 3 ملايين متابع، وهي معروفة للجمهور بإظهار روتين تدريبها في صالة الألعاب الرياضية، وعملها كعارضة أزياء.
على بعد آلاف الكيلو مترات عن عائلته ومسقط رأسه، يطمح الفتى الأسمر إلى كتابة تاريخ جديد مع أصفر العاصمة كرويًّا، بعد أن استطاع في فترة قصيرة سداد ديون والديه، ولكن يلزم عليه قضاء دين النصراويين الذين ينتظرون منه سحق محبوبه وقدوته نيمار في الديربي العاصمي المقبل.


أنجيلو.. ابن مزارع.. نجا من الموت.. وحطم رقم بيليه