أعتقد أن الخيال من المهدئات التي لا يصرفها الأطباء، ومع احترامي لكل الأحداث اليومية التي نعيشها إلا أنها ستبدو مملة لو لم نسرح في خيالنا كل ساعة أو ساعتين. صادقت الخيال منذ الطفولة، وكبقية الأطفال صرت لاعبًا تحمله الجماهير على أكتافها، وقويًا يلقن أبناء الحارة البعيدة درسًا قويًا، وأظن سبب خيالي هذا أني كنت أخشى المرور بتلك الحارة خوفًا من التعرض للضرب، كان خيالًا لسد ضعف لا أكثر. أو أراد خيالي جبر خاطري! الجميل في الخيال أنه يكبر معنا، ويتماشى مع متطلبات كل مرحلة، لكنه قد يتحول إلى مشكلة إذا كان لدى الإنسان وقت فراغ طويل، أتذكر في مرحلة كان وقت فراغي طويلًا، لعبت مع تشيلسي، وفي إحدى المرات حركت قدمي كي أمرر الكرة بين قدمي رايان جيجس، كان للأسف تحريكًا في الخيال وعلى أرض الواقع عندما كنت أسير في شارع جينزينجتون رود. عندما انتبهت أمسكت بقدمي وكأنها مصابة، لكن الحرج زال عندما شاهدت أكثر من «مهبول» يمشي في الشارع دون أن ينظر الناس إليهم. كل منا له خياله. ويبدو أن أخي الأكبر كثير الخيال مثلي، أتذكر عندما ناداه أحدهم فأجابه منزعجًا: حرام عليك قطعت خيالي.. توني شاري طيارة! وأذكر أحد الزملاء العرب عندما حكى لي عن خياله في السفر إلى كندا، وكيف وقعت حسناء ثرية في حبه! وشاءت الأقدار وسافر صاحبنا إلى كندا، لم يبق هناك أكثر من عام، وعندما عاد سألته: هل وقعت في حبك الحسناء الثرية؟ أجاب بأن من وقع في حبه هي البرودة الشديدة، والرياح القاسية، وآلام أصابعه من كثرة غسل الصحون في المطاعم. صديق آخر أحب فتاة تدرس في الجامعة ذاتها، هام حبًا بها، حاول التحدث معها لكنها صدته بشدة. ويبدو أن الصديق لم يكن يحبها حبًا حقيقيًا لأنه حسب كلامه وخلال أشهر عدة أصبح ثريًا فجاءت تتودد له، فرفض توددها بحزم وركب سيارته الفاخرة وغادر. في الخيال طبعًا. بعد أن كبرت شح الخيال عندي كثيرًا، حتى أني أنسى الخيال في أوقات كثيرة، راحت تلك الدقائق التي ألعب فيها كرة القدم قبل أن أغفو، لم أعد أنازل الملاكمين في الحلبة، تحول خيالي الصاخب إلى هادئ، أتخيل مزرعة تحيطها الأشجار من كل جانب، أزرع النباتات وأتابع نموها، أعيش حياة يكثر فيها الصمت على الكلام. تُنسب إلى آينشتاين مقولة «الخيال أكثر أهمية من المعرفة، المعرفة محدودة، بينما الخيال يطوف العالم».
برتراند راسل: الحذر في الحب هو غالبًا أكثر أنواع الحذر فتكًا بالسعادة الحقيقية.