|


أحمد الحامد⁩
أبطال الخيال
2024-09-12
في الطفولة كنت أحب الوقت الذي يقص فيه أحدهم قصة جديدة، وأجمل الأوقات في المدرسة هو الوقت الذي يقول فيه معلم التاريخ حكاية تاريخية، ومع جلوسي طويلًا في ديوانية والدي إلا أني لا أتذكر منها سوى الحكايات التي قالها رواد الديوانية. من جمال الأطفال أنهم لا يتوقفون طويلًا عند تفاصيل الحكايات، ولا يدققون في مبالغاتها، ولا يحكمون على مصداقيتها، الأطفال يذهبون مع الحكاية أينما ذهبت، ويطيرون معها إذا طارت، أهم شيء أن تكون شيقة لا ملل فيها. اليوم عندما أستعيد تلك الحكايات صرت أدقق فيها، أراجع السيناريو، وتسلسل الأحداث، ومدى واقعيتها، وأحكم عليها إن كانت حقيقية أو خيالية. لكن لشخصية المحقق التي مارستها سبب. كنت قد سمعت قصصًا بطولية عن شخص يعيش في نفس مدينتنا، كانت قوته الجسدية أسطورية، وشجاعته عنترية، سبق ورأيته من بعيد أكثر من مرة، كان يبدو عاديًا، لكني ومن بعد القصص عنه كنت أراه بنظرة مختلفة. مرت الأيام وكنت في بداية العشرينيات، كنت أزور أحد الأصدقاء في شقته، عندما دخلت الشقة التقيت برجلين في الأربعينيات من عمرهما كان أحدهما قريبًا للصديق، وبعد دقائق فهمت الشخص الآخر هو الشخصية الأسطورية، كانت ملامحه متغيرة، أو أنني لم أحفظ صورته الحقيقية لأني لم أشاهده عن قرب. كانت فرصة كبيرة لأستمع للقصص من مصدرها. لكن حماستي لم تدم طويلًا عندما قال أن أكثر ما قيل عنه لم يكن حقيقيًا، وإنها مبالغات، وعندما شاهدني مترددًا في قبول كلامه، حاول أن يوضح لي أكثر ومما قاله: الصحيح في الحكايات التي كانت تقال أني كنت كثير المشاكل، وأدخل في عراكات، وكنت قويًا، لكني لم أكن بالقوة التي سمعتها عن نفسي وسمعها الناس عني، غالبًا ما كنت أنتصر في المواجهات الفردية، أي بيني وبين شخص آخر، وكنت أخسر بعضها، وكثيرًا ما تم ضربي في المواجهات مع فردين أو أكثر. سألته عن حكاية معركته في السوق ضد أصحاب البقالات الذين اجتمعوا عليه وحيدًا فأجاب بأنها غير حقيقية، وعلاقته مع أصحاب البقالات كانت ودية، وعندما سألته عن معركته ضد جمهور أحد الفرق وكيف أنه فرّق جمعهم أجاب بأنها غير حقيقية، وعندما سألته مستغربًا عن السبب الذي كنا نسمع فيه عن شجاعته وقوته طالما أن الكثير منها غير حقيقي أجاب بما معناه: أعرف أشخاصًا كانوا أكثر شجاعة وقوة، لكن الحظ اختارني وفضلني عليهم، الناس يحبون سماع الحكايات، ويبحثون عن بطل يلهم خيالهم، لا تنسى أن مدينتنا كانت صغيرة وهادئة، وأوقات الفراغ طويلة، وكان لا بد من صناعة الحكايات لتمضية الوقت، وكنت أنا بطل حكاياتكم، ولو كانت كل الحكايات عني حقيقية لكنت الآن في السجن ولم أكن بجانبك نتحدث في هذه الشقة في مدينة أوروبية. عندما غادرت شعرت بشيء من الضيق، كنت أحب الحكايات التي سمعتها عنه، وصعُب عليّ أنها خيالية. منذ ذلك اللقاء وأنا أراجع حكايات الطفولة.