|


أحمد الحامد⁩
أكثر من ذاكرة
2024-08-06
أسترجع مع الذاكرة بعض الذكريات والمحطات، ومع كثرة المشاوير التي قطعتها بصحبتها، اكتشفت أن مزاجها يشبه مزاج البشر، تفرح وتتفاءل وتحزن وتكتئب. في الأوقات التي تكون الذاكرة سعيدة تذَّكرني بالأوقات الجميلة، تستحضرها لي من أقصى الماضي البعيد، تشيد بي على المواقف الجيدة التي وقفتها، والقرارت المناسبة التي اتخذتها، وفي أوقات أخرى وعندما يتعكر مزاجها تنبش لي ذكريات ظننت أنها نسيتها، تظهر لي أوقاتي التي أهدرتها بلا فائدة، خصوصًا تلك التي قضيتها مع أشخاص لا أعرف أين ذهبوا، ولا يعرفوا أين ذهبت، كنا نعتقد بأننا أصدقاء، لكننا لم نكن كذلك، كانت «صحوبية مراكبيّة»، لكن رحلة المركب كانت طويلة. تسألني عن أوقاتي التي قضيتها بعيدًا عن عائلتي، وإن كان الغياب يستحق، هي تعلم بأنه لا يستحق، لكنها تتقصد تكرار السؤال لإدراكها أنه يتعبني. كانت كثيرة التذمر، وكثيرًا ما رددت عن حظها السيئ الذي جعلها ذاكرة لي، ولو كانت ذاكرة شخص آخر لكانت أكثر سعادة وهناء. في بعض الأحيان أجدها عطوفة، لأنها بعد كل نوبة غضب تمرر لي ذكرى تجبرني على الابتسام، ربما تريد تهدئة الأجواء بعد تعدل مزاجها، أو لأنها تعبت من عصبيتها، وهنا كنت ألمس شيئًا من دكتاتوريتها، لأنها هي فقط من تقرر متى تُظهر الذكريات السعيدة، ومتى تبدأ حفلة الذكريات التي تثير الندم. في المرة الأخيرة التي هاجت وغضبت وأظهرت أقسى ما لديها كنت هادئًا، حتى أنها تفاجأت من برودتي الشديدة، فقد جاءني اعتقاد بأنها مجرد عابثة، وأنها تتمرد لأني أعطيتها مساحة أكبر من حجمها، فليس من حقها إلا أن تكون ذاكرة فقط، أنا من يستدعي ذكرياتي منها، وأنا من يحكم على تلك الذكريات وليست هي، لأنها لا تستطيع أن تلعب دورًا سوى حفظها، لا أن تكون قاضيًا ينظر من بعيد، ويحكم على النتائج دون أن يعرف الظروف. تريد أن تكون ذاكرة للذكريات السعيدة فقط وهذا مستحيل، إنها مجرد أنانية متسلطة، تحب ذاتها على حساب غيرها. ها هي ومنذ أيام تحاول مصالحتي بشتى الطرق، تمرر لي مواقفي الإنسانية، تصف مدى إعجابها بي، تشيد بشجاعة قرارات اتخذتها، تفعل ذلك لأنها خائفة، تخاف أن أهجرها للأبد، مسكينة.. تعتقد أنني قادر على محوها!