|


أحمد الحامد⁩
منتجع بلا إنترنت
2024-07-31
يقال إن كثير التجارب التجارية الفاشلة يصبح حكيمًا، والصراحة لم يقل أحد هذا الكلام، أنا من أقول ذلك، من الأفضل أن أكون صريحًا حتى وإن لم تهتم الأكثرية، لأنها تهتم بما يقوله الأثرياء المشاهير، لكني على يقين عميق بأني رجل حكيم، فالفشل الذي ينهكك يهديك حكمته إذا ما رآك قد تجرعت آلامه وصبرت على تعبه، لذا يا أعزائي اسمحوا لي أن أقدم لكم العلم الذي تحصلت عليه، أقدمه لكم دون مقابل تماشيًا مع مقولة إن زكاة العلم نشره. أعتقد أن المستقبل التجاري سينقسم إلى قسمين، الأول هو الموجود الذي يعتمد على التقنية وربط الإنسان بها، حيث يكون زبونًا دائمًا، شخص يشتري من خلال الإعلانات، يتصفح السوشل ميديا عدة ساعات دون هدف، معلوماته يستقيها من حسابات السوشل ميديا، تظنه مشغولًا لكنه قليل الإنتاجية، المسكين «دايخ» لا أكثر. هذا الشخص سيشعر في وقت ما أنه مُنهك، وهو منهك فعلًا، حتى إن رأيت صوره الضاحكة في حساباته على السوشل، هذا الشخص ومثله الملايين في أنحاء العالم وفي وقت ما سيشعر بالحاجة للراحة، للانفصال عن الروتين الذي لم يختره، إنما وجد نفسه فيه. وهنا تتدخل حكمتي لإلقاء الفكرة التجارية، وهي القسم الثاني من المستقبل التجاري. سيحتاج الملايين من الناس إلى منتجعات مريحة وبأسعار معقولة تبعدهم عن الركض اليومي، تشترط عليهم ألّا يستخدموا السوشل ميديا، ستبقى رؤسهم مرفوعة بدلًا من النظر للأسفل نحو شاشات الهواتف، تشترط عدم متابعة أخبار الحروب، وعدم متابعة الإعلانات التجارية، وعدم الخوض في الأحاديث عن مشاهير العالم وماذا قال إيلون ماسك وكم ربح وارين بافيت. المنتجع سيهتم بصحة الإنسان النفسية، ويوفر له ممارسة هواياته، الكثير من الناس سحقت هواياتهم، سيتيح له ممارسة الزراعة، واللعب بالتراب والطين والركض مثل الأطفال إذا ما أراد، سيعيده إلى الطبيعة العادية، ويتيح له وقتًا للتأمل بدلًا من الحشو المستمر للعقل. في المنتجع لا توجد سيارات، ولا محلات للماركات، لا يوفر المنتجع إلا قناة تلفزيونية واحدة برامجها عن عالم البحار، ولا يوجد إنترنت إلاّ نصف ساعة كل يوم أو يومين. عزيزي المستثمر إذا أعجبتك الفكرة التي ستقضي على مستقبلك المالي فمن المهم أن تجعل حرارة المنتجع مناسبة طوال أيام السنة. بالنسبة لي سأكون أحد زبائن هذه المنتجعات شرط أن أحصل على خصم مئة بالمئة!.
* فريدريك نيتشه: تقاس قوة العقل بمدى قدرته على تحمل الحقيقة التي لا تناسب قناعاته.