|


سعد المهدي
العرب وعالمية كرة القدم
2024-06-22
كرة القدم في عالمنا العربي الأكثر ضجيجًا، والأضعف إنتاجًا، ولا أسبابَ لذلك، يمكن حصرها أهمّ من خطأ التشخيص والاعتراف بأننا لا نتطوَّر فعليًّا، وهو ما جعل كرة القدم، على الرغم من تاريخ نشأتها الطويل، لا تخرج من دائرة التحديات الإقليمية والمماحكات الشعبية، وجعلها مقياسًا لتقدم وتأخر اللعبة في كل بلدٍ.
النظرة لرياضة كرة القدم، لا يمكن أن تتعدى مسارين، إما اعتبارها لعبةً ترفيهيةً، لا تحتاج أكثر من تنظيم مسابقاتٍ محليةٍ، تُلعب على منشآتٍ صالحةٍ للعب، ومناسبةٍ لحضور المتفرجين، واغتنام أصدائها وردود فعل الجمهور في توسيع دائرة الترفيه والإشغال، والثاني تحويلها إلى ماكينةٍ لتكرير مشتقاتها «الترفيه، التجارة، الممارسة الرياضية، تطوير الكوادر، إنتاج المواهب، إبراز النجوم»، وكل هذه سيعمل على كسر الدائرة التي حصرنا فيها «كرة القدم»، وعلى جعلنا «فعليًّا» داخل خارطة عالم اللعبة.
ربط ما تقدمه المنتخبات من مستوياتٍ جيدةٍ، أو رديئةٍ مع ما تحظى به من اهتمامٍ رسمي وشعبي، أو حجم الاقتصاد، أو الحالة المعيشية والاستقرار، ليس دقيقًا، ويمكن أن يعطي نتائجَ خاطئةً، وهذا يمكن ملاحظته عند تتبُّع ما تقدمه منتخبات بلدانٍ، تعيش حالةً اقتصاديةً مترديةً، أو حروبًا، أو عدم استقرارٍ، لكنَّ ذلك لا ينعكس على وجودها في المنافسات، أو أدائها، أو نتائجها، فيما يحدث العكس مع منتخباتٍ لا تعاني من كل ذلك، أو هي أحسن حالًا بعض الشيء.
ذلك يبدو غير مفهومٍ، أو تتخطفه القراءات الإنشائية، لتفرض هالةً من التقدير المنسوب لدوافعَ وطنيةٍ، وتضحيات لاعبين، جعلت هذا المنتخب يرتقي إلى مراتب عليا من الإحساس بأداء الواجب. وعادةً ما يكون وراء الترويج لمثل هذا التوصيف جهاتٌ، وأشخاصٌ للإسقاط على منتخباتٍ أخرى «كرهًا»، أو «مكايدةً»، أو عبثًا محليًّا سائدًا في المشهد، يستخدم «كلمة حقٍّ يراد بها باطلٌ»، وإن كان أيضًا فهم ما تقدمه منتخباتٌ مثل هذه، يحتاج إلى بحثٍ أوسع، وتتبُّع الجذر بدلًا من النظر لأعلى ما في الشجرة.
كرة القدم يفترض ألَّا تتعدى كونها لعبةً رياضيةً تنافسيةً في حدود ما تضفي على الجمهور المتعة والترويح، ويمكن استثمارها تجاريًّا وقوَّةً ناعمةً بصبغتها المحلية، لأن «عولمتها»، تفسد المنتج النهائي الذي لا يمكن له أن يكون واحدًا في العالم كله، كما أن ذلك لو حدث، لا يجعل للهوية الوطنية أهميةً وتميُّزًا، ويحرمها من مد جسور إيصال الثقافة والإرث المتماهي مع أسلوب اللعب وطرقه، وخصائص المهارات وتنوعها. كان ذلك متاحًا في نشأة اللعبة أكثر، وعاش بقية العالم الصورة المقلَّدة، أو الظل.
يقال إن «الدبلوماسية الرياضية قد تسمو فوق الاختلافات الثقافية، وتجمع الناس سويًّا»، وهنا يتم تحميل الرياضة مسؤولية إصلاح السياسة التي في الأصل تصنع الحراك الرياضي، وترسم اتجاهات مآلاته، والحقيقة أنها قد تشكِّل عود الثقاب لحطبٍ تم جمعه عبر سنوات اختلافات الثقافة، أو المصالح، وإغراقه «بكيروسين» الكراهية، ليصبح اشتعال الحريق نتيجةً طبيعيةً، لذلك ليس صحيحًا أن الحرب بين السلفادور وهندوراس بسبب «كرة القدم»، بل أساسها مرتبطٌ بمشكلات اقتصاديةٍ اجتماعيةٍ من بينها الهجرة، واستصلاح الأراضي، ما دفع للتوتر بين الجمهور، ووجدت لها لتنفجر «ساحة تعبيرٍ في ملعب كرة قدمٍ» خلال تصفيات أمريكا الشمالية لمونديال 70م.
كرة القدم العربية تدور في حلقة «تطويرٍ واستراتيجياتٍ» مفرغةٍ سبعةَ عقودٍ، وتتناوب على «كسر» بعضها بعضًا، وتتنابز بالألقاب، وترفع لاعبيها لمرتبة الأساطير، لكنها تفشل في النزالات الكبرى، إلا من «صدفةٍ» لا تؤسِّس ليبنى عليها، لأنها تطير في عجاج الصخب والضجيج في انتظار أخرى لا أحد يمكنه أن يتوقَّع متى تحدث، ولا مَن هم أبطالها، ولا كيف أو متى؟!