|


صالح الخليف
نعم.. «كمالة عدد»
2024-06-18
كما أن هناك لاعبين كمالة عدد.. هناك أندية كمالة عدد.. هناك منتخبات أيضًا كمالة عدد.. ومصطلح كمالة عدد، دارج كثيرًا على ألسنة الكرويين.. صحيح أنه موغل بالشعبوية، وصحيح أنه يتنافى تمامًا مع فكرة الانتقال من الهواية إلى الاحتراف والتطور والتعاطي مع كرة القدم كصناعة إنسانية حيوية واقتصادية وتنموية، لكنه موجود وحاضر ومتمركز ولا يمكن تجاهله أو تغييبه بحجة فكرة الاحترافية تلك.. بالطبع لا وجود فعليًا للعمل بمنهجية «كمالة عدد» في الذهنية الكروية التقدمية.. هذا شيء لا يمكن حتى طرحه ومناقشته.. يبقى كل لاعب لا يقدم ولا يؤخر، ولا ينفع ولا يضر، في حسابات المشجع «كمالة عدد».. الفريق الذي يرتضي دائمًا بالمنطقة الدافئة، فلا ينافس على الألقاب ولا يقدم النجوم، ولا يصنع التاريخ، وأيضًا لا يهبط ويسقط في أتون الدرجات الدنيا، هو فعليًا وعمليًا ومنطقيًا كمالة عدد بين أضداده.. كذلك بين المنتخبات هناك من يمكن القول عنه وبكل جرأة وبكل شجاعة وبكل تجرد وبكل هدوء وعقلانية، هذا منتخب كمالة عدد.. وفي أوروبا معقل النهضة الكروية، ومصدر التكتيك والتكنيك والمخططات الحديثة والتجديد والتطور.. في أوروبا التي يتخذ الاتحاد الدولي لكرة القدم أراضيها مسرحًا لمقراته ومقرراته.. في أوروبا التي تحت سمائها ولد أهم اللاعبين وأشهر المدربين وأبرع القادة الفنيين.. في أوروبا التي تصنع أجود الماركات والبراندات المتخصصة في الملابس والأدوات الرياضية.. في أوروبا التي وحدها المخولة بصعود المنبر والإمساك بالمايك والحديث بكل ما يخص كرة القدم وأهلها وناسها وتاريخها وطموحاتها وماضيها وحاضرها ومستقبلها.. في أوروبا هناك منتخب واحد كلما تداعى اسمه وشعاره ونجومه إلى مسامعي قفزت في خيالي سالفة كمالة العدد هذه.. أقصد المنتخب البلجيكي.. لا أحد سواه يمكن أن يلعب دور منتخب كمالة عدد بكل جدارة واستحقاق.. صحيح أنه دائمًا ما يظهر كند شرس ومقاتل عنيد وخصم جسور، لكنه لا يقتحم دائرة المرشحين إلا نزرًا.. يأتي أحيانًا كثيرة حاملًا لواء الحصان الأسود.. والأحصنة السوداء في البطولات تسابق وتظهر قوية منطلقة وثَّابة، دون أن تصل إلى خط النهاية في مقدمة الترتيب.. مرة واحدة فقط وضع البلجيك أقدامهم في المباراة النهائية، وكان ذلك في العام 1980، خلال بطولة استضافتها إيطاليا وكسبها الألمان بهدف وحيد.. ليس في ذاكرتي أي شيء عن تلك البطولة التي كانت تُلعب وعقلي لاهٍ وقلبي صغير..
لا يمكنني تصنيف بلجيكا ضمن المنتخبات السيئة الحظ.. البلجيك ليسوا كالهولنديين أو الإنجليز حتى يمكن تصنيفهم بين جوقة المنحوسين.. فريق لا يقدم سوى لاعبين أو ثلاثة كل عشر سنوات يستحقون الرهانات الواثقة.. بلجيكا أيضًا ليس من العدالة وضعها بين منتخبات متراجعة أو متواضعة أو ضعيفة.. هي تجتهد وتحاول وتسعى لكن دون جدوى.. ليس عند البلجيك كرويًا ما يمكن التوقف عنده طويلًا، أو النظر له بعيون منبهرة.. لا نجوم من الصف الأول في التاريخ الأوروبي.. لا مواقف وذاكرة كروية تجعلك تستعيد مشاهدها بروح معجبة.. لا مباريات مذهلة حبسوا فيها الأنفاس وكانوا قاب قوسين أو أدنى من ملامسة المجد والذهب والأفراح الطاغية.. يتركك المنتخب البلجيكي على الحياد.. لا تحبه.. لا تكرهه.. لا تنتظره.. لا تعجب بأدائه.. لا تستمع بنجومه ولاعبيه وشغف جماهيره.. قطار طويل من اللاءات يرميها البلجيك بين أحضانك في كل بطولة أوروبية صاخبة.. اختر منها ما تشاء.. لأنهم كانوا كالمعزومين من بين المعازيم.. معازيم حفل تخرج وجهت الدعوة فيها لأهل القرية عن بكرة أبيهم.. بعض من حضر هذه المناسبة كان كمالة عدد.. كما هو حال المنتخب البلجيكي الذي يضعك على الحياد رغمًا عن أنفك.. كما يفعل كل كمالة عدد.. لاعبًا كان أو فريقًا أو منتخبًا..!!