|


أهداف النهائي الخالدة.. برج ماجد وليلة الجحفلة

الرياض - الرياضية 2024.05.31 | 01:56 pm

ثلاث عشرة مرة عانقت الكرة الشباك خلال خمس لقاءات مشهودة جمعت العملاقين العاصميين في نهائي كأس الملك عبر تاريخ طويل امتد لأكثر من أربعين عامًا بدأت في عصرية الـ14 من مايو للعام 1981، ورغم أن هذه هي المباراة التاريخية الأولى بين النصر والهلال في المناسبة الكبيرة.. رغم أنها ضمت بين أحداثها أهدافًا أربعة، اثنان منهما بواسطة اثنين من أبرز وأهم من ارتدى قميصي الجارين اللدودين الأسطورة السعودية ماجد عبد الله والأسطورة البرازيلية ريفالينو.. رغم كل هذا عجزت تلك الرباعية التي كان نصيب أصحاب القمصان الصفراء منها ثلاثة وواحد للزعيم الأزرق، أن تحتل مساحة واسعة من ذاكرة تختزل مشاهد الأهداف الاستثنائية.. كانت أهدافًا اعتيادية اكتسبت قيمتها فقط من أهمية المباراة نفسها.. وهكذا دومًا هي استراتيجية الهدف في اللعبة الصاخبة.. هناك مسببات وأسباب عدة تجعل منها شيئًا يخلده الزمن في عقول الهائمين حبًا وإعجابًا بلعبة تدعى كرة القدم..
انتظرت الجماهير قرابة السنوات الست بأيامها ولياليها لترى بأم عينها هدفًا استثنائيًا يكون حدثًا يؤرخ به اليوم نفسه بجوار الوقائع التي من شأنها تغيير وجه التاريخ.. سيضمه مذيعو البرامج الوثائقية في فقرات «حدث في مثل هذا اليوم».. سيتكلم عنه الناس طويلًا كما يتكلمون عن الاختراعات والمعارك والأيام الصعبة والمواقف المخلدة في لياليهم العصية على النسيان.. في اليوم الـ14 من مارس للعام 1987 يعود ملعب الملز مجددًا ليكون مسرحًا لصراع يجمع الهلاليين بالنصراويين، وفي الدقيقة الثانية من تلك الأمسية الباردة يطلق حكم المباراة الدولي السعودي عمر المهنا صافرته بعد خطأ ارتكبه الظهير الأيمن عبد الرحمن التخيفي لمصلحة جناح النصر الشمالي محيسن الجمعان.. ينبري لاعب حمل لقب الشبح واسمه يوسف خميس ليرسل كرة تتعارض مع فيزياء الهواء والاتجاهات الطويلة، فتسقط الكرة على رأس خط الستة وكأنها قادمة من الفضاء.. يقفز ثنائي الدفاع الأزرق صالح النعيمة وحسين البيشي في محاولة طارئة لمحاصرة الخطر.. قلب الهجوم النصراوي ماجد عبد الله هو الآخر راح يسابق الرياح العالية.. كأن الزمن نفسه توقف في تلك اللحظة.. كأنه مشهد تراجيدي من المسلسل الكرتوني الشهير «كابتن ماجد».. يركن ماجد الكرة في زاوية يسار الحارس خالد الدايل.. تلتقط هذه الصورة عبر مصور صحيفة المدينة أحمد آدم.. تتصدر الصورة ممرات مقر نادي النصر منذ ذلك اليوم وحتى الآن.. كل مدرب جديد وكل لاعب جديد قادمين من خارج الحدود يتوقفون كثيرًا عند تفاصيلها.. كانت صورة لا يمكن التعليق عليها.. كان هدفًا استثنائيًا في تفاصيل اللحظة الهاربة من حكاية مستحيلة.. هذا ماجد وهذا أشهر هدف في نهائي جمع النصر بالهلال.. حتى الهلاليين أنفسهم يعتبرونه الأميز.. منتمون كثر للزعيم الأزرق تناولوا هذا الهدف كونه منظرًا مسروقًا من فيلم سينمائي أسطوري.. يفوز النصر بهذا الهدف ويحقق الكأس ويفوز الهدف بالتاريخ.. ويلقبه النصراويون بهدف البرج كناية ووصفًا لحالة الارتقاء العالي لماجد بين هامتي النعيمة والبيشي.. ذهب النصراويون بعيدًا بمبالغاتهم وتغزلهم بالهدف حينما رددوا طويلًا أن ماجد كشف المنازل المحيطة بالملعب.. هو الكلام المشروع في عوالم المناكفات التي لايمكن حبسها في الأدراج والقلوب..
يعود الهلال لملاقاة النصر على الكأس الغالية في جدة بعد موسم مرهق.. في العام 1989 كان النصر للتو مستعيدًا عرش الدوري الذي غاب عنه قرابة السنوات العشر.. كل الترشيحات تصب في مصلحة الأصفر ليجمع الدوري بالكأس.. النصراويون أنفسهم أعلنوا بأنهم جلبوا معهم درع الدوري إلى الجانب الغربي من خارطة الجغرافيا السعودية ليلتقطوا الصور التذكارية بالبطولتين.. كانت الأمور شبه محسومة في حساباتهم.. تبدأ المباراة بضغط أصفر ويعتمد الأزرق على الارتداد السريع.. تؤتي هذه المنهجية أُكلها بعد مرور وقت قصير وتتوالى ثلاثية الدفاع التاريخية.. يتناوب الظهيران عبد الرحمن التخيفي وحسين الحبشي وقلب الدفاع حسين البيشي على زيارة شباك خالد الصبياني في هجمات دراماتيكية أصابت الشباك وأصابت النصراويين بما يشبه برنامج الصدمة الشهير.. لم يصحوا من ذلك الكابوس إلا والنعيمة يصعد المنصة ويتوشح بالذهب.. كانت واحدة من ليالي الألم والحزن والحسرات الموجعة وليس لطريقة الأهداف، وإنما بسبب الأسماء التي سجلتها.. ما كان من بين الثلاثية الزرقاء أي هدف يمكنه الخلود في الذاكرة.. هي النتيجة.. هم المدافعون الذين تجمعوا في حدث يندر تكراره..
يغيب لقاء النصر بالهلال في نهائي الكأس قرابة 25 عامًا بسبب توقف البطولة نفسها، ثم بسبب عدم وصولهما للختام من وراء النتائج.. يعود النصر للدوري ولقبه الصعب في العام 2014.. بعدها بعام يكرر إنجاز الدوري ويصل أيضًا لنهائي الكأس.. يضرب موعدًا طال الشوق إليه مع بني هلال.. تأخذ المباراة طابع سجالات المواجهات النهائية.. تمتد إلى أشواط إضافية.. يتقدم السهلاوي للنصر في أواخر الإضافي الأول.. تبدو الأمور أقرب لفرحة صفراء غامرة.. يمر الشوط الإضافي الثاني بسياق مرتبك.. شيء من الخوف والترقب والعشوائية والانتظار المتعجل.. تأتي الدقيقة الأخيرة وتستعد مقاعد احتياط النصر للاحتفال.. ضربة ركنية هلالية يرسلها الشلهوب داخل منطقة الجزاء النصراوية التي كانت تعيش حالة عبثية مفتقدة للحكمة في مثل تلك اللحظات العصيبة.. يغمز البرازيلي الهلالي نيفيز كرة رأسية صوب خط الستة.. يظهر محمد جحفلي بالمشهد وكأنه ممثل صاعد جاء يؤدي دورًا كومبارسيًا لكنه اختطف إعجاب المشاهدين فصار من نجوم الشباك في أول ظهور.. سجل جحفلي هدف التعادل وامتدت المباراة للترجيح، وتغيرت قواعد اللعبة، فخيّم التشاؤم على وجوه النصراويين وارتفعت مؤشرات التفاؤل الزرقاء.. وبالفعل فرض المنطق نفسه، فخسر الخائف وانتصر العائد من الحزن الكبير.. فاز الهلال بالكأس.. وفاز جحفلي بحفر اسمه في أذهان الهلاليين والنصراويين على حدٍ سواء.. صار اسمه فعلًا يعني التسجيل في الوقت القاتل.. صار بمثابة المؤشر الذي يعني انقلاب الأمور رأسًا على عقب.. تغنّى الهلاليون طويلًا بتلك المفردة التي لا زالت متداولة، فـ«الجحفلة» هي الهدف القاتل والفرحة المجنونة.. النصراويون احتفوا سنوات بالبرج الماجدي، ومثلهم فعل الهلاليون بالجحفلة.. لا شيء يختلف.
بعدها تواجه العملاقان مرة واحدة كانت في 2019، وفاز الهلال بهدفين لهدف، لكن أهداف اللقاء لم تجد لها متسعًا في ذاكرة تلك اللحظات الهادرة..
تتجدد اللقيا وتتجدد الآمال بالفوز وأهداف ليست كالأهداف.. هناك رونالدو بكل تاريخه وإنجازاته وحضوره.. هناك ميتروفيتش بكل تسلطه وقوته وعنفوانه.. هناك أصوات جاهزة تنتظر مكسب فريقها لتستعيد برج ماجد أو ليلة الجحفلة..!!