|


رامون دياز.. ظل يحارب الفقر طيلة حياته

الرياض - عبدالرحمن عابد 2022.03.08 | 01:01 am

تبدو ملامحه مثل فنان ستيني طاعن في العمر، وجهه مألوف اعتادت عليه فلاشات المصورين، بعد أن بلغ قمة جبل النجاح، هاربا من مقصلة الفقر وضنك المعيشة، ولم ينقذه من الجوع إلا قدمه اليسرى الذهبية التي تمسّك بجودتها طوال مسيرته الكروية، متمسكا بالمثل اللاتيني المعروف" من ذيله من قش.. لا يقترب من النار!".



وُلد رامون دياز في 29 أغسطس 1959، لأبوين أرجنتينيين من الطبقة العاملة هناك في مقاطعة لاريوخا غربي البلاد، حيث المناظر الطبيعية وسلاسل الجبال القاحلة يتخللها الأنديز، والتي تلامس قممها نحو 7000 مترا وتحدها الأودية الزراعية، المساهمة في تنويع اقتصاد عاصمة المقاطعة، مثل إنتاج وتصدير العنب، والزيتون والقطن، بجانب تربية الماشية والماعز، والأهم الاستفادة من الطين في التعدين واستخراج مادة اليورانيوم، والأهم من ذلك أنها فتحت فتحت ذراعيها للمهاجرين السوريين واللبنانيين، أكثرهم شهرة عائلة شاول منعم، والد الرئيس السابق كارلوس منعم.



لم يرث عن والده بارتولو دياز، عشق وانتماء ريفر بليت منذ صغره فقط، بل تشرّب من جنياته الموهوبة كرويا، حيث لم تكتمل مسيرته في صفوف الفريق الأبيض والأحمر بسبب الظروف الصعبة التي مرّ بها عامل البلاط، وأجبرته على حط الرحال إلى جراند بورج، وكان ذلك وقت ندرة العمل عام 1960، حيث كان ابنه الأصغر رامون قد بلغ عامه الأول على هذا الكوكب، لكن سرعان ما ضاقت الأحوال بعد اكتشاف مرض الأب بالربو، لينصحه الأطباء بالعودة إلى مسقط ليتنفس الهواء النقي هناك، إلى أن فارق الحياة قبل أن يشاهد صغيره يخوض مباراته الاحترافية الأولى مع "المليونيرات"، فيما يصفه رامون قائلا: "أكبر ألم في الحياة أن والدي مات صغيرا جدا".



يروي المُلقب بالبيلادو، أو قليل الشعر، في مقابلة نادرة مع "الجرافيكو"، أنه أوفى بوعده لوالدته المكافحة نيليدا، حين أخبرها وعمره 14 عاما: "سوف احترف كرة القدم ونعيش جميعا بشكل جيد". البداية كانت عندما تلقى الدفعة الأولى من عقد احترافه مع ريفر بليت، إذ يقول: "ذهبت إلى والدتي التي كانت تعمل كمساعدة في المستشفى، وقولت لها. لن تعملي من الآن. لقد فعلتي كل شيء من أجلنا"، وللتخفيف عنها في وحدتها بعد وفاة الأب المبكرة، لم تفارقه في جولاته مع فرقه السابقة في إيطاليا، فرنسا واليابان.



عكس فشله في الدراسة، ومعاناته في تجاوز مرحلة الثانوية في مدرسة لوس بولفورين، تشكلت موهبة رامون في الحي، حيث كان الآباء يجتمعون وينظمون مباريات ضد فرق المدارس والأندية، ومن حُسن حظه، أن كشافة ريفر بليت ميجيل سانتيلان، شاهد انفجاره أمام الريفر، في المباراة التي خرج منها بخمسة أهداف، ليرسله إلى أكاديمية الشباب تحت قيادة الفني ياكونو، الذي أهدى الأرجنتين أربعة لاعبين من جيل شباب السبعينات الأسطوري، أشهرهم وأكثرهم موهبة كان دياز، بعد صعوده الصاروخي رفقة دييجو أرماندو مارادونا في مونديال الشباب طوكيو 1979، حين توج بجائزة هداف البطولة والكرة البرونزية كثالث أفضل لاعب.



تتذكر الأم نيليدا، أنها ذهبت ذات يوم إلى كنيسة سان فرانسيسكو سولانو، للصلاة من أجل ابنها الصغير، حتى يظهر للمرة الأولى مهاجما مع كبار الريفر، في وقت كانت تستمع فيه للمباريات عبر الراديو، لكنها كانت تشعر أن البيلادو سيحقق حلمه الأولى كما أخبرت جيرانها، وبمجرد أن سمعت اسمه، أطلقت صرخات هزت جدران الحي، منذ تلك اللحظة، أصبح كل شيء تاريخ، بتحول دياز إلى أيقونة في "مونومنتال" ملعب ريفر بليت، رفقة عظماء الثمانينات نوربيرتو ألونسو، لوكي، فيلول، ميرلو وباساريلا، الذين احتكروا بطولة متروبوليتان في الفترة بين عامي 1978 و1982 وغيرها من البطولات المحلية، إلى أن تركهم رامون، بعد القفزة الكبيرة في شعبيته وشهرته في فترة ما بعد استدعائه لتمثيل التانجو في مونديال 1982، بانتقاله إلى نابولي الإيطالي في صيف نفس العام.



منذ تلك اللحظة، أخذت مسيرة رامون الدولية منحنى منخفضا، بعد فترة وجيزة من تبدل علاقته مع زميل رحلة الكفاح مارادونا، بخطوة انتقال لاعب القرن إلى العدو الأزلي المحلي بوكا جونيور في صيف 1981، تزامنا مع أوج وأعظم لحظات رامون مع الريفر، وبعد أول تجمع للمنتخب الأرجنتيني تحت قيادة بيلاردو، تم استبعاد دياز من المنتخب إلى الأبد، بمزاعم أن المدرب الجديد اتفق مع دييجو في اجتماع في برشلونة أواخر 1982، على عدة قرارات، منها تجاهل رامون، على غرار ما حدث مع نجمي باريس ليونيل ميسي وماورو إيكاردي في السنوات الأخيرة بالتانجو، وهو الاعتقاد الذي لم ينكره صاحب الـ64 في مقابلة مع "إنفوبي"، قائلا: "لا أعرف ذلك الرجل، أو الأخير من التسعينات، ولم أذهب للمنتخب لأن دييجو جعل أصدقائه يختارون بيلاردو لتدريب المنتخب"، بينما أقسم الراحل ببناته أنه لم يفعلها مطلقا.



في حياته الشخصية، تعرف رامون على ميرتا بواسطة صديقه الصدوق باساريلا، وتزوجها عام 1982، رغم أنها كانت وما زالت واحدة من مشجعي البوكا المتعصبين، حتى منزلهما الأول في سان إيسيدرو كان مطليا باللونين الأزرق والأصفر، نزولا لرغبة الزوجة ومالك العقار، قبل أن ينتقلا إلى جنوب إيطاليا، حيث رزقا بالابن الأكبر وذراعه الأيمن إيميليانو في نابولي، والصغير مايكل في أفيلينو، بينما وذات مرة، حاول الترشح لمنصب حاكم ولاية لاريوخا، بتوصية من زميله المقرب ماوريسو ماكري، في فترة رئاسته لحكومة بونيس آيرس، وقبل وصوله إلى سدة الحكم 2015، اصطدم باللوائح بسبب حاجته إلى خبرة سياسة لمدة 10 سنوات، رغم تمتعه بعلاقة قوية بالرئيس الأسبق الآخر كارلوس منعم.



يخوض رامون دياز، واحدة من أصعب التجارب وأكثرها تعقيدا في حياته المهنية، بعد 4 سنوات من صبغه 3 كؤوس باللون الأزرق، نظرا لخيبات أمل أقرانه الذين عادوا لتدريب الهلال بعد ولايتهم الأولى، مثل البرازيليين كاندينيو وأوسكار وباكيتا والروماني بيلاتشي، إلا أن بارقة الأمل الوحيدة التي تلوح في سماء الرياض هي استعادة كاريلو لمستواه وتطور تمريرات كويلار وتألق صناعة بيريرا، وهو ما يدعو مشجعو بطل آسيا إلى ترديد مقولة: "الله لا يوفقك يا جارديم" خاصة بعد اكتساحه النصر وابتعاد الاتحاد في سباق الدوري.