|


جارديم.. عالم كرة قدم.. خدمته نزوة إغريقية

الرياض – عبدالرحمن عابد 2021.06.06 | 10:16 pm

ملامح وجهه تكشف أصوله اللاتينية، يصنفه المشجعون من فئة العباقرة الصُلع، التي تضم مدربين عظماء بحجم جوارديولا وزيدان، حيث يملك عقلية قيادية ترتكز على الحدة والروح، متأثراً بما داخله من فيلسوف شاعري مثقف يُجيد فن إلهاب المشاعر والعواطف أثناء المباريات، إذ يتميز بربط الواقع بالأقوال المأثورة وأبيات الشعر الخالدة، لرفع معنويات اللاعبين خلال الأزمات، محتذياً بالمثل اللاتيني الشهير "كما تعطي الحياة 100 سبب للبكاء، تمنحك أيضاً 100 سبب وسبب لتبتسم".



ولد خوسيه ليوناردو جارديم في 1 أغسطس 1974، في ضاحية بويترو دي كروز الساحلية، التابعة لمدينة برشلونة في فنزويلا، وما لبث أن احتفل بربيعه الثالث على هذا الكوكب، حتى هاجر مع أنطونيو وماريا مونيكا الديه، إلى البرتغال، وتحديداً جزيرة ماديرا، التي اشتهرت على مدى قرون بجذب العنبر صيادي الحيتان، قبل أن تكتسب سمعة عالمية لاحقاً، بالتحديد في مطلع الألفية الجديدة، كونها مسقط رأس الأسطورة كريستيانو رونالدو الذي ينشط في صفوف يوفنتوس حالياً.



اقتصر ارتباط جارديم بعالم كرة القدم المثيرة، بواسطة مشاهدة مباريات الدوري المحلي، إضافة إلى ما يحدث في الدوريات الأوروبية الكبرى ودوري الأبطال، دون حتى أن يمارسها مع الرفقاء في أوقات الفراغ من صفوف الدراسة، إلى أن كشف حلمه لوالديه بعمر 15 عاماً آنذاك قائلا: "أريد أن أصبح مدرباً"، كما روى والده بالنص في مقابلة مع "مايس فوتبول" ومضيفاً: "على عكس كل الأطفال والمراهقين في عمره، كان يحلم فقط باحتراف مهنة التدريب وليس اللعب".



في بداية عقد العشرينات، التقطه البروفيسور خوسيه مونيز، ليستفيد من علمه ودراسته في الطاقم الفني لنادي كاماتشا المغمور برتغالياً، وبالطبع بصفته شاباً حديث التخرج من الجامعة، كان يعمل مدرساً للتربية البدنية في إحدى مدارس ماديرا، ولأنه في بعض الأحيان تكون "مصائب قوم عند قوم فوائد"، تمت إقالة البروفيسور بقرار مفاجئ من قبل الرئيس أوريليو أنتونتيس، على إثره قطع جارديم نصف الطريق نحو حلمه، بانفراده بدفة القيادة الفنية للفريق في فترة احتفاله بعيد ميلاده الرابع والعشرين.



كان يُلقب بصاحب عملة الخمسة يورو، كونها لم تكن تفارق محفظته في فترة عمله كمدرب هاو، حيث كان يستغلها بذكاء للهروب من دفع حساب القهوة لصالح الضيوف المنكبين عليه من مسقط رأسه، إلى أن جنى ثمار تحديه القوي مع نفسه، بعد مقولته: "إما الوصول لأعلى مستوى قبل بلوغ سن الأربعين أو الاعتزال والعودة إلى مقاعد التدريس مجدداً". ولكنه فعلها بتنقله بين عدة أندية انتهت بظهوره الأول في الدوري البرتغالي الممتاز كمدرب لفريق بيرا مار عام 2010.



واجه جارديم عقبات بالجملة في رحلة الصعود إلى قمة النجومية، بدأت بتجربته العابرة مع براجا البرتغالية، ثم بأزمة كبرى عُرفت إعلاميا بالنزوة النسائية المثيرة، التي كبدته الإقالة من تدريب أولمبياكوس 2013، إثر قيادته أحمر بيرايوس في 17 مباراة فاز في 14 مناسبة بلا خسارة حاصلاً على كأس اليونان، حيث تزعم الصحافة اليونانية بتورطه في علاقة رومانسية مع جيلين تروجانسكي، زوجة إيفانجيلوس ماريناكيس رئيس النادي، الذي يعمل في قطاع الصناعة البحرية، ورغم تلك المزاعم إلا أن المدرب البرتغالي نفى القصة برمتها في مقابلة مع مجلة "فيساو" البرتغالية قائلا: "عائلة ماريناكيس بأكملها تعيش محاطة بحراس الأمن، وهم يجعلون أي علاقة غرامية مستحيلة".



على عكس التوقعات بانهيار مستقبله المهني، إثر تجربته في بلاد الإغريق، أخذت مسيرة جارديم منحنى آخر بعد ظهور بصمته التدريبية مع سبورتنج لشبونة 2014، بينما صعد إلى قمة المجد مع موناكو، عندما أسس فريق نجوم المستقبل، مصعّداً أعظم المواهب على غرار مبابي وليمار وبيرناردو سيلفا وباكايوكو وميندي وسيديبي، ومحطّما هيمنة باريس سان جيرمان على لقب الدوري الفرنسي 2017، وفي نفس العام أقصى بيب جوارديولا ومانشستر سيتي فريقه، من ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا، ثم أطاح بكتيبة بوروسيا دورتموند الألمانية وتوماس توخيل مدربه الأسبق، قبل أن يحرمه يوفنتوس من بلوغ النهائي ومقابلة ريال مدريد على ملعب ميلينيوم الويلزي.



بعيداً عن فلسفته البرجماتية كمدرب لا يؤمن إلا بأفكاره، فعلى المستوى المهني والمرونة في العمل مع الرؤساء، يقول عنه ديلجادو رئيس ناديه السابق دي تشافيس: "ليست لديه شروط، فقط يعمل بما لديه ولا يقع في مشاكل، وأكثر من أدهشني فيه قدرته على تبسيط الأمور"، ومع أن جارديم لم يسبق له ركل الكرة إلا أنه يعتبر من أغلى مدربي كرة القدم أجراً في العالم، ورغم توقفه عن العمل منذ إقالته من تدريب موناكو مطلع ديسمبر 2019، حيث ظل محتفظاً بمكانه في المركز الـ14 عالمياً، براتب سنوي يُقدر بنحو 10.2 مليون يورو، متفوقاً على زملائه ماوريسيو بوكيتينيو، برندان رودجرز، توماس توخيل وأولي جونار سولشاير، وفقاً لموقع ترانسفير ماركت العام 2020.



يعيش البرتغالي البالغ 47 عاماً حياة هادئة، مع زوجته كارلا الطبيبة النفسية، وفي أوقات الفراغ يتوقف عن متابعة كرة القدم، مفضلا تغذية عقله بكتب الفلسفة، إلى جانب هوسه الشديد برياضة السيارات، حتى أنه طوال فترة وجوده في إمارة موناكو الفرنسية، لم يفوّت حلبة واحدة لمشاهدة سباق فورمولا 1، ويبقى السؤال ما إذا كان قادرا على تجنيب الهلال فوات أي بطولة في 2022، لا سيما بعد مرور نحو 900 يوم على زيارته الأخيرة إلى الرياض، حينما انتدبه النصراويون من دبي على متن طائرة خاصة، ومنحوه كافة الامتيازات المالية في العقد، ووفروا لطفله أفضل المدارس الفرنسية، إلا أن جارديم رحل دون إجابة واضحة.